تعتبر سلسلة لوحات “جبل سانت فيكتوار” التي رسمها الفنان الفرنسي بول سيزان في الفترة ما بين 1880 و1906، من أهم الأعمال الفنية في تاريخ الفن الحديث. على الرغم من أن سيزان لم يحظَ بشُهرة كبيرة في حياته، إلا أن هذه السلسلة تُعتبر أيقونة لأسلوبه الفني الثوري. ويُعتبر سيزان، بفضل هذه السلسلة، أبًا للفن الحديث. حيث قاد الفن بعيدًا عن الواقعية، ومهّد الطريق لظهور حركات فنية رائدة مثل التكعيبية، والتجريدية. لقد أثبت سيزان أن الفن يمكن أن يكون عن البنية والشكل واللون بدلاً من مجرد تصوير الواقع.
أسلوب ما بعد الانطباعية: كان سيزان جزءًا من حركة ما بعد الانطباعية، لكنه ذهب بأسلوبه إلى اتجاه مختلف تمامًا. فبدلاً من التركيز على التقاط اللحظة العابرة مثل الانطباعيين، سعى سيزان إلى إعادة بناء المشهد الطبيعي باستخدام أشكال هندسية أساسية: الأسطوانة والكرة والمخروط. في لوحات “جبل سانت فيكتوار”، يحلل سيزان المشهد إلى كتل لونية متراصة مما يمنح اللوحة إحساسًا بالثبات والصلابة.
المنظور المتعدد: تُعتبر هذه السلسلة من أهم الأعمال التي استخدمت المنظور المتعدد أو المنظور المُعاد بناؤه. فبدلاً من رسم المشهد من زاوية واحدة، قام سيزان برسمه من زوايا مختلفة في آن واحد. هذا التفكيك للمنظور التقليدي هو ما أثر بشكل مباشر على فنانين مثل بابلو بيكاسو وجورج براك، ومهّد الطريق لولادة الحركة التكعيبية.
اللون والشكل: كان سيزان يرى أن اللون والشكل لا يمكن فصلهما. فبدلاً من استخدام اللون لتزيين الشكل، استخدمه لبناء الشكل نفسه. في لوحاته، تُصبح الألوان هي التي تُشكل الكتل والأشكال الهندسية التي تُكوّن الجبل والأشجار. هذا النهج الثوري في استخدام اللون هو ما أثر بشكل كبير على مسار الفن الحديث.
التعبير عن الثبات والخلود: على الرغم من أن سيزان كان يرسم نفس الجبل مرارًا وتكرارًا، فإن كل لوحة تُظهر الجبل في حالة مختلفة من الإضاءة والطقس. لكن في جميع اللوحات، يُحافظ الجبل على ثباته وخلوده، مما يمنح اللوحة إحساسًا بالعمق والتاريخ. لقد كان سيزان يبحث عن جوهر الجبل، عن الشكل الأساسي الذي لا يتغير.