بِتُّ أعلمُ جيدًا كيف يَهوِي المرءُ الى الظُّلمات، كيفَ يصيرُ قلبُه مقبرَة! جنتّهُ «جحيم»، مُهجَتهُ ضَياع وفؤادُهُ تَلاشٍ! لا خِلّةَ ولا خَليل، لا رفـيقَ ولا صديقَ ولا أنيس يقولُ له «أيَا صاحبي!».
حينَ يُنتكس من كَدِر الحياةِ ومُرّها، حينَ يهوي الى مُستنقعاتِ الحياة وغياهِبِ الجُبّ.. حينَ يمقُتُه حتّى أهلهُ وأقرَبوه؛ حين يدرِكُ أنّ تلك «الأبوّة» ما كانت إلّا نافذة عرضٍ وتُحفَةَ زينَةٍ ووِشاحَ عَلْقَمٍ أو فَرضِ ذات.. ويا ويلتاهُ إن أخطَئَ هذا الفتَى؛ أنتَ فاشِلٌ ضعيفٌ، «قضيتُ عمري كُلّه أجلِبُ لَكَ قوتُ الحياةِ تلك، لترفَع إسميَ بينَ الناس! ولكن، سُدًى». يا ألَمَاهُ إذ يخرُّ قلبُ المرء فـي ساحةِ الحربِ اللعينَةِ تلك، حينَ يدرك أنّ كلَّ سنينَ عُمره كانت سُدًى وسنونٌ عِجاف..
يا للفتى، وكأنَ رضا الناس غايةٌ! وكأنَّ على الإنسان أن يتلطخَّ فـي ساحَةِ الوحلِ تلك! وإلّا فالتهميشُ والانحدارُ مَنفاه، إذْ معرَكةُ الوُجود، بعناوينها. وكأنَّ على النّاسِ أن يطوفوا حولَ هالَةِ الأنامِ تلك؛ معيارٌ واحد، صَفٌ واحد وصنفٌ واحد!
يا فَتى، إيّاك.. أن تهوَي، وهَوِّن على نَفسِك من مزاج النّاس، فإنّ خسارَةَ النفس أعظَمُ خسارَة. إيّاكَ أن تذرِفَ نفسك وتتهالَك أيّامُكَ وحياتُكُ ودُنياكَ وآخُرُك! فرَبّكَ جلّ فـي عُلاه يتربّعُ على عَرشِ عبودّيتِكِ أولًا، ذلكَ ضِئضِئُ القولِ وزخرفُه.
فإيّاكَ، أن تكونَ إمعَةٍ للأنامِ، فـيشيّئوكَ كما يشيئون، ويصيّروكَ كما يُريدون وِفقَ خُططهِم أو ما كانوا يحلمون أو أن تكونَ مِحَكًا للَعِبهِم ودعاباتهم يبدلّونَ أدوراكَ وِفقَ أمزجتهم وخُطَطهم أو كما يرغبون ويهْوون..
لأنك، أنتَ روحٌ واحِدة وِترٌ واحدٌ وحيد، بوداعةِ قلبٍ، رِقِّ طَيرٍ، خِفَةِ مَبسَمٍ ووقارِ روح؛ أنتَ الاءُ الله، ألاءُ الله أنتَ. فدعْ قلبَكَ ينسَلُّ الى الله، فهُناك المَقصدُ والمُنتهَى. وَهُناك على قارِعَة الطريق سيطير؛ برّفةِ جِفنٍ وِرِقّةِ عُصفورْ.