فـي أحدى الحضارات، عُرفت جزيرة بخُلق شعبها الطيِّب الذي كان يَدين بالإسلام والمَسيحيّة. كانت تربط أصحاب الدّيانتين علاقة وطيدة أساسها التآخي والمحبّة، بل أنّهم شيّدوا كنيسة وجامعًا فـي ذات الموقع، دلالةً على تقبُّل أحدهم الآخر رغم الاختلاف.
وفـي مكان بعيد عن أرض الجّزيرة، ثار شعبٌ على مَلكه، وأجبروه على التّنحي، وقرّروا نفـيه الى حيثما يراهُ مُناسبًا. فَفضّل المَلك أن يقطن الجّزيرة التي يُضرب بشعبها المثل.
وبعد أن استقرّ الملك وعائلته فـي الجزيرة، أرسلت الكنيسة و الجامع المُتحالفان كبار الشّيوخ والرُّهبان للترحيب بالملك، ولتزويده بقوانين الجّزيرة التي تفرض عليه احترامها وتنفـيذها. وبعد أن انتهى اللقاء بينهم قال أحد الرُّهبان: «أنني قلق بشأن هذا الملك، ولا بُد من الحذر»، فأيَّدهُ أحد الشّيوخ، لكن لم يُعيرا الأمر أهميّة كبرى، فهو مُجرّد شُعور.
وبعد مُرور وقت طويل على مُكوث الملك فـي الجّزيرة، حَظِي الملك بمحبّة كبيرة من قبل الجميع، وأصبحت له مكانة خاصة فـي هذه الجّزيرة، مما أدّى الى طمع الملك بحُكم الجّزيرة، وإختيار التّمرد على القدر، الذي أوحى له أن عليه اعتزال السّياسة، فبدأ الملك بالتّخطيط والتّنفـيذ كي يصل إلى الحُكم، لكن كل مُحاولاته باءت بالفشل بعد أن أعلن على الملأ أنّ الكنيسة والجّامع المُتحالفـين هُما المصدر الواحد والوحيد لحُكم الجزيرة.
أخذ الملك يفكر بخُطة أخرى توصّله الى زمام الحُكم، فلم يُلقِ سَبيلًا سوى أن يخلق خلافًا بين المسلمين والمسيحيين، فهذا سيؤدي حتمًا إلى اسقاط حُكم الكنيسة والجّامع المُتحالفـين، الأمر الذي يتيح له المجال لتولّي الحُكم، خاصة وأنه يحظى بثقة الجّميع.
وفعلا، بدأ الملك بتنفـيذ خطته، فبدأ بخلق الأكاذيب، ونجح فـي أثارة خلاف بين المُسلمين والمسيحيين، حيث احتد الحوار بين الطرفـين وأخذ الخلاف يزداد، الأمر الذي أسقط حكم الديانتين فـي المدينة، وبهذا تفاقم النزاع واستبدلت شعارات التّفاهم بشعارات النّزاع والخِلاف. ان الوضع الجديد فـي الجّزيرة جعل الملك يتنفس الصعداء حيث أنه جاء دوره لإكمال «السّيناريو»، فتقدّم الملك مُقترحًا ضرورة اجراء انتخابات ديمقراطية، لأنه لا بد من إيجاد الشّخص المناسب لتدبير أمور الجزيرة …
تم تعيين موعد انتخابات ديمقراطية من قبل لجنة مُختصّة، وفتح باب التّرشُّح، وقبل أن تعلن أي طائفة عن مرشحها ذهب الملك الى كل طرف من الطّرفـين، وعرض عليه أن يكون مُمثّلًا عنه، مُقنعًا اياه أنه ذو خبرة واسعة فـي هذا المجال، وبهذا لم يترشّح أحدٌ للانتخابات سوى المَلك، حيث أن كل طرف من الطرفـين ظنّ أن مُرشّحه هو المَلك.
وفـي اللحظة الحَاسمة حيث اعلان النتيجة، سمع أحد الشيوخ المَلك يتحدّث مع عائلته قائلًا: «ها أن الماضي الذّهبي يعود من جديد، ولا بدّ للمُستقبل أن يكون أجمل، لأنه لا توجد أحزاب مُعارضة، ولا يوجد مُنافس لي، فالجميع يحبونني ويثقون بي، ولم يخطر ببالهم لحظة أنني المرشح الوحيد فـي هذه الانتخابات «الدّيمقراطية». فجأةً، دخلَ الشّيخ القاعة، وقاطع حديث الجميع قائلا: «إخواني و أخواتي، ها قد ظهر الحق وزهق الباطل، عشنا سوية طيلة أيامنا، ولم نشعر بوجود طابع العُنصرية، ضرب المثل بكرم أخلاقنا وتآخينا إسلامًا ومسيحيين، فإن جاع أحدنا لم يتردّد الجميع فـي تقديم الزّاد له، وأن مَرِض أحدُ أبنائنا كُنا جميعًا نُقدم المُساعدة، فهل فكّرتم لحظة ماذا حدث؟! نعم، أن هناك شخصًا بيننا خطّط وهدف للوُصول إلى ما نحن عليه الآن !!! أنّه المَلك»…
فَهِم الجّميع كُنهَ الأمر، وبدأ كل منهم بذرف عبرات الندم، والتلفّظ بعبارات الحُكم، فسامَح بعضهم بعضًا، وطُرد الملك من الجّزيرة، وتمّ رفع راية الصُّلح بين المُسلمين والمسيحيين، وعاد الحُكم للكنيسة والجّامع المُتحالفـين.
ولكن ماذا عن «جزيرتنا»؟! لماذا لم تعُد تجمعُنا المحبة؟! لماذا تجمعنا الأحقاد والضّغينة ؟!