لا تقلق، أَعلمُ ما تشعُر به الآن. حُلكة سمائك قد اشتدّت، رغم أنّ شيئًا لم يُعْطِك أيّ إنذار سابق لتجهُّم الطّقس، وسوء تقلّباته فـي هذه الفترة. نبتة النّجاح الّتي كنْتَ قد زرعتها بيديك فـي سويداء قلبك، ورَويتها بالطّموح والجِدّ، وأخذْتَ تراقب نموّها ببطء؛ فجأة! وعلى حين غرّة يظهر لك قرصُ نارٍ فـي وضَـح النّهار دون ميعاد؛ فـيُودِي بأُولى أوراقها الّتي بِتّ تلمس رونقها، واللّهفة تعتريك لرؤيتها يانعةً على مدّ البَصر.
تُقلِّب الصّفحات، علّك تجد شيئًا ما يملأ فجوة الفشل، علّك تجد أيّ شفاء أو حتى مُسكّنًا لآلام النُّدوب الّتي تركها فـي أرجاء روحك ولا أحد يشعر بها سِواك… ولكنّك ترى كلَّ العِبارات مُبتذلةً، لا توحي لك بشيء، ولا تُنير عَتَمة دربك، فجميعهم يقولون: «الفشل بداية النّجاح»؛ فتقول فـي نفسك: عن أيّ نجاح يتحدّثون!
نعم، لقد فشلْت، لسْتُ أدري حتّى الآن كَم من البشر عاشوا محنتي؟! ولكن، ثِق أنَّ كُلًّا منّا قد دخل سردابًا فـي مكان ما خفـيةً أو علانيّة. لربّما أخفَوْا إخفاقهم خلف جُدران الكبرياء والأنفة، أو فـي إحدى حُجرات أبنائهم الّذين أدركوا أنّهم فشلوا فـي تربيتهم فقط حين انهال عليهم وابل من الشّكاوى لسوء خُلقهم، أو ربّما أمام بوّابة أحد أماكن العمل تلك الّتي اكتشفوا بعد حين أنّ أبوابها كانت موصَدة أمامهم منذُ البداية. وألفُ ألفُ حكايةٍ يا عزيزي.
ولكن، أتعْلم من يُحدّثك عن فشله بزَهْو وبكلّ فخر واعتزاز؟ إنَّه النّاجح الّذي أبى أن يتوكّأ على نافذة القُنوط الّتي تستند أنت الآن عليها. ذلك النّاجح الّذي قرّر أن يَسبُرَ غَوْر التّحدّي، ويرتَع فـي عالم الأحلام حُرًّا طليقًا لا يعرفُ الكبت أو الجمود، ولم ينعت نفسه بِـ «الفاشل» كلّما نظر فـي المرآة.
وما بين صراع القلب والعقل وما بين «الانكفاء والاكتفاء» ستشعر وكأنّك على طَرَفِ الهوّة، فإمّا التّراجُعُ أو البقاءُ بروح خاوية لا تعثر فـيها على مثقال ذرّة حتّى من السّكينة والسّلام. إذنْ، لِمَ تسلك هذا الدّرب منذ البداية؟ لِمَ تدع التّساؤلات والأفكار بعد كلّ هزيمة تجتاح أرجاء مُخيلتكَ؟ ألا يكفـيكَ ما فات من الوقت عبثًا؟
بينما كنتُ أقرأ اليوم بعض السُّوَر من كتاب الله الكريم استوقفَتْني تلك الآية الكريمة من سورة الشّرح: «فإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا» وتليها مُباشرة: «إنَّ مَعَ العسر يُسرا». أتساءل كيف لم تُبعث لنا بَعْدُ الرّسالةُ المكنونة فـي عمق الهوَّة؟ لقد ذكرها ربُّ العباد وكرّرها وأكّدها، إنّ عُسْرَنا هذا يتلوه يُسْرٌ فلقد غلبَ اليُسرُ عُسْرَيْن. ولكنّ الأمر يتطلّب أنْ لا نخوض حربًا ضدّ الفشل، بل أن نجعله أقرب الأصدقاء ونهيِّئ أنفسنا لمُعانقته عِناق الوداع بعد حين.
والآن، اُنظرْ إلى اللّافتة الّتي أمامك، على يمينك أو ربّما على يسارك، وإن لم تجدْها فدَعني أقرأها لك: «أهلًا بك فـي عالم النّجاحات، لا تنسَ أن تشكر فشلك الّذي ابتاع لك..
التّذكرة الأخيرة».