إبداعٌ مُذهلٌ للوحة ينطق جميع تفاصيلها بالإبداع المبذول في إنجازها والرّقة التي تعامل بها الفنان وهو يرسم خيوطها الدقيقة وألوانها الناعمة والبديعة. يُصنّف جان أونْورِيه فراچونار (1732-1806) باعتباره أشهر رسّام شاعري فرنسي خلال القرن الثامن عشر. كان غزير الإنتاج إذ رسم أكثر من خمسمائة لوحة، وفي بدايات احترافه للرسم تتلمذ فراچونار على يد “فرانسوا بوشير”، ثم فاز بمنحة دراسية للذهاب إلى إيطاليا ليُكمل علمه في “الأكاديمية الفرنسية” بروماـ وقضى فيها أربع سنوات قلّد أثناءها لوحات كبار الفنّانين ورسم مناظر للطبيعة والرّيف الإيطالي.
قضى الفنان الجزء الأكبر من حياته خلال ما عُرف بالفترة النيوكلاسيكية، وما لَبَث أن أبدى إهتمامًا خاصًّا برسم المناظر المنزلية المُستوحاة من فلسفة “جان جاك روسو” الأخلاقية ومن بعض الروايات العاطفية. وقد كان فراچونار بارعًا مثل أستاذه بوشيه في رسم وجوه وأجساد لنساء شابّات رغم انه كان يهتم أكثر بإظهار انفعالاتهن ومشاعرهن.
وتعتبر هذه اللوحة واحدة من أشهر أعمال فراچونار، وبعض نُقاد الفن يعتبرونها أفضل عمل تشكيلي يُصوّر فكرة المرأة القارئة المُثقفة. وفيها نرى امرأة شابة وهي مُنهمكة بوقار في قراءة كتاب. وأوّل ما يُمكن مُلاحظته في هذه اللوحة هو التوازن الجميل بين عناصرها الرئيسية: الكتاب ويد المرأة ووضعية رأسها وانبساط جسدها المُستند إلى الأريكة. مِما يلفت الانتباه أيضًا في اللوحة الأسلوب البارع الذي اتّبعه فراچونار في رَسم أصابع يد المرأة المُمسكة بالكتاب وفي تمثيل الياقة العريضة والإنثناءات والإلتواءات التي تتخلل ثوب المرأة نزولًا إلى الرّداء الذي تجلس عليه. كان فراچونار نفسه رجلًا مثقفًا ومُحبًّا للقراءة، ولهُ العديد من اللوحات التي صوّر فيها فتيات ونساءً في لحظات العُزلة والتأمّل الصامت.
قضى فراچونار السّنوات الأخيرة من حياته في حال من النّسيان والفَقر والعُزلة وماتَ وحيدًا عام 1806، دون أن تثير وفاته انتباه أحد من زملائه أو مريديه. ويضمّ “متحف اللوفر” اليوم خمسًا من أهم لوحاته فيما تستقرّ لوحته الشّهيرة الأخرى “الأرجوحة” في متحف المتروبوليتان بنيويورك.